بعدما كانت المدارس هي قاعدة التفوق الدروس الخصوصية لكل الأطوار..وتأخذ نصيبا وافرا من جيوب الأولياء

بعدما كانت المدارس هي قاعدة التفوق الدروس الخصوصية لكل الأطوار..وتأخذ نصيبا وافرا من جيوب الأولياء



نالت الدروس الخصوصية في الأعوام الأخيرة صدى كبير من طرف الأولياء الذين أصبحوا لا يجدون أي تردد في تسجيل أولادهم لتلقي دروس إضافية خارج أوقات الدراسة على حساب جيوبهم، وإذا جئنا لمقارنة هذه الوضعية بما مضى، نجد أن هذه الدروس لم تكن لها أي ضرورة في وجود المدارس التي كانت هي القاعدة الأساسية وكافية للتفوق والنجاح، إلا في مرحلة النهائي أين يلجأ البعض إليها لاستدراج النقائص أو لضمان العلامات الكاملة، أما اليوم فباتت تعم مختلف الأطوار، من الابتدائي إلى النهائي.

يتساءل الجميع عن السبب، لماذا كل هذه الدروس الخصوصية والساعات الإضافية في وجود المدارس؟ هذا ما دفعنا للتجول في بعض المدارس، وبين أوساط الجزائريين للتعرف عن آرائهم حول ماهية الأسباب.

"الدروس الإضافية فكرة مجدية..حتى وإن كانت مكلّفة"

السيدة "حفيظة "أم عاملة ، لديها بنت وولد، كلاهما يأخذ دروس خصوصية في مختلف المواد، إبنها "نعيم" في السنة الثامنة من التعليم الأساسي، وابنتها "سميرة" في النهائي لتجتاز شهادة الباكالوريا، قالت:" ولداي يأخذان دروس إضافية في مختلف المواد، فبعد انتهاء وقت الدراسة في مدارسهم أو في أيام عطلة الأسبوع، يقصدون منازل معلميهم، الذين يقومون بتدريسهم وإكمال النقائص لديهم، وأنا أحبذ هذه الفكرة وأجدها نافعة ومجدية لأطفالي، وأضمن بهذا تفوقهم ونجاحهم في كل المواد، فمثلا ابني "نعيم" لديه مشكل في مادتي الفيزياء و الرياضيات ويجدهما مادتان صعبتان للغاية، فنستدرك هذا النقص بإضافة ساعات أخرى تزيد معرفته، وتعوضه ما لم يستوعبه في المدرسة أين لا تكفي ساعة واحدة في الأسبوع لفهم ما يجده صعبا، أما ابنتي "سميرة" فهي مقبلة على اجتياز شهادة الباكالوريا، ورغم تفوقها في الدراسة إلا أنها تحضر هذه الدروس للاستفادة أكثر، والحصول على علامات كاملة تمكنها من تحقيق علامات عالية والدخول إلى شعبة الطب الذي يعتبر حلمها، لهذا أعتبر الدروس الإضافية فكرة جيدة، وإن كانت على حساب جيبي ومصرف البيت الشهري".

"كثرة عدد التلاميذ يعيق التدريس ويوجب إضافة دروس خصوصية"

قصدنا المدرسة الابتدائية "بنصيرة نونوه" أين تحدثنا مع أحد المدرسين الذي أيد فكرة الدروس الإضافية مبررا ذلك بقوله: " لا نستطيع في المدرسة إعطاء حق كل التلاميذ نظرا لكثرة عددهم في القسم الواحد، فكيف لنا أن نتمكن من شرح الدروس لخمسة وثلاثين طالب على الأقل، أضف إلى ذلك الفوضى العارمة التي يحدثها جيل هذا الوقت، لا نستطيع السيطرة على الوضع، لا الضرب ولا الصراخ يجديا نفعا، فبالتالي نلقي الدروس بشكل عادي ونقترح على الأولياء لمن يهمه استفادة ابنه أكثر إحضاره إلى الساعات الإضافية التي أخصصها من الساعة الخامسة إلى السادسة مساءا حيث أتمكن في وجود عدد قليل من الشرح أكثر ولكل على حدا في معظم الأحيان".

"تخلى المدرسين وحتى الأولياء عن مسؤوليتهم"

أما السيدة "فاطمة" فهي معلمة متقاعدة والتي كانت تدّرس اللغة الفرنسية سنة 1975 ميلادي لأقسام الابتدائي ، عبرت عن استيائها من هذه الوضعية قائلة:"أنا جد مستاءة من معلمين هذا الزمان، فمن المفروض أن يكونوا قدوة ويقوموا بواجبهم على أحسن وجه وكما قيل:" كاد المعلم أن يكون رسولا"، نحن في وقتنا لم تكن هناك دروس إضافية لأننا نأدي عملنا على أحسن وجه، فلا يضطر التلميذ للبحث عمن يلقنه دروس أخرى، كما أن للأولياء يد كبيرة في ذلك، إذ كانوا يساعدون أولادهم في المنزل على حل وظائفهم، أما الآن فكل تخلى عن مسؤوليته تجاه الآخر.

" الدروس الإضافية..سياسة جديدة للربح السريع والوفير"

وأضافت متحدثتا بقلق شديد:"هذه سياسة جديدة لبعض المدرسين الذين يتقاضون أجرهم في المدارس ويتاجرون بالساعات الإضافية، فأصبحوا يتقاضون أجرة أكثر من الطبيب، هذا ليس عدلا في رأي ".

وابتسمت عندما تذكرت أيامها في التعليم قائلة:"عندما كنت أذهب لأداوم في المدرسة كنت أملأ جيوبي بالحلوى لأتمكن من مكافأة التلاميذ وتشجيعهم على المثابرة والانتباه أكثر، وألقي درسي على أكمل وجه ، لا أوزع أوراق طبق الأصل عن الدرس في القسم كما أصبح المدرسين يفعلون اليوم، دون شرح أو توضيح، وأنتظر الساعات الإضافية لأشرح وأفصل مقابل أجر زائد، هذا أمر غير معقول وينافي أخلاقيات المهنة، كما أنه ليست هناك مراقبة في وقتنا هذا، فأنا مثلا أتذكر أن مفتشي التربية كانوا يزوروننا مرارا وبدون سابق إنذار، تقريبا مرتين في الأسبوع، ويتفحصون دفاتر التلاميذ ويقدمون ملاحظات بناءة، وفي الأخير كل هذا راجع إلى ضمير الإنسان، الذي تجرد من القيم والمبادئ، ليمتلأ بحب المال الذي غزى على العقول".